فراسة أم عرافة ؟
من الأسس الموضوعية المعتبرة للنقد والتقييم: أن [الحكم على الشيء فرع عن تصوره]، وبالتالي فأي مخالفة لهذا المعيار سيجعل الحكم لا قيمة له، بل وبهز الثقة فيمن أصدره، لأن الحكم حينئذ سيعتبر مجرد رأي شخصي متعجل، لذلك يجب التريث قبل إصدار أي حكم على أمر أو مجال، ومن ثم البحث جيداً في جميع جوانب ذلك الأمر والرجوع لأهل الحل والعقد فيه حتى تستجلى الحقيقة كاملة، وبالتالي تتضح الصورة من جميع جوانبها.
فقد قرأت بعض الأقوال واستمعت لبعض الفتاوى التي تتحدث عن بعض العلوم ومنها لغة الجسد، وكانت هذه الأقوال والفتاوى تتطلب مراجعة من قبل قائليها، كونها لم تستند على معرفة ولا أي أسس موضوعية سوى ما نقله السائل (غير المنصف)، فجاءت مجافية للحقيقة بأن صنفت هذه اللغة على أنها من قبيل التخرص والعرافة!!. وهذا – بطبيعة الحال – غير صحيح، فمعظم الكتب الخاصة بلغة الجسد وضعت لهذا العلم عدداً من الأسس والقواعد التي لا يمكن أن ينجح المشتغل فيه إلا باتباعها ومنها ضرورة فهم السياق، لمعرفة الظروف الخاصة والعامة التي تمت فيها الحركات أو الأوضاع أو التعبيرات الجسدية، سيما وأن هذه الظروف هي المحدد للتعبير الصحيح، خصوصاً إذا علمنا أن لكل حركة أكثر من تفسير.
كذلك من بين القواعد عدم الاعتماد على حركة واحدة لإصدار حكم على موقف من المواقف.
ومن القواعد أيضاً ملاحظة الاتساق والتوافق التام ما بين عناصر الرسالة الثلاثة (الكلام ونبرة الصوت ولغة الجسد)، لأن أي خلل في أي من هذه العناصر سينتج عنه توتر أو ارتباك يكون ظاهراً.
وقبل ذلك كله ضرورة توفر المعرفة سواء بالقراءة المتعمقة والمستمرة للكتب والمراجع الموثوقة، والحصول على التدريب الكافي للاستفادة من تلك المعلومات ومعرفة كيفية التطبيق.
ناهيك عن أن علم لغة الجسد (أصلاً) من علوم الفراسة الحديثة التي ترتكز – أساساً – على معرفة البواطن من الظواهر مثله مثل أي مجال من مجالات الفراسة التي كانت ولا تزال محل اهتمام، بل وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استعان بالقائف مجزز المدلجي لإثبات نسب الصحابي أسامة بن زيد بن حارثة.
خالد محمد المسيهيج